الأمن الطبيعي لا العسكري.. هاجس أمريكا الجديد1-2

مركز الأمن الأمريكي الجديد

إعداد – محمد الجوهري

الموادر الطبيعية تشكل أمن العالم في الأعوام المقبلة

على مدار العامين الماضيين حاول مركز الأمن الأمريكي الجديد أن يبني هيكلا بحثيا متكاملا حول تداعيات أمن الطاقة وظاهرة التغير المناخي. وخلال الإعداد لهذه الورقة، توصل المركز إلى قناعة مفادها أن هناك رابطة قوية بين تلك التحديات والتداعيات من جهة، وبين التحديات التي تواجه الموارد الطبيعية من جهة أخرى.

وأخذا في الاعتبار الضعف الجيوستراتيجي الناتج عن اعتماد الولايات المتحدة الكبير على استهلاك النفط، تتمثل بعض الحلول المقترحة في ضرورة تركيز الولايات المتحدة على موارد أخرى بديلة عن النفط. لكن هذه الحلول تبدو غير عملية، فهي من ناحية ستؤدي إلى خلق اعتماد من نوع آخر له تداعيات أمنية عديدة، كما هو الحال مع النفط. وعلى سبيل المثال، فإن التحول إلى استخدام الفحم –والتي تخلت الولايات المتحدة عن استخدامه منذ فترة طويلة– سوف يعني مزيدا من التأثيرات السلبية لظاهرة التغيرات المناخية. كما أن الاعتماد على الوقود الحيوي المستخرج من بعض المحاصيل مثل الذرة سيكون له تداعياته الخطيرة على أسعار الغذاء في السوق العالمية، حيث أدى ارتفاع أسعار الموارد الغذائية خلال الأعوام الثلاثة الماضية إلى وقوع اضطرابات وأحداث عنف في أكثر من 40 دولة حول العالم.

ومن ناحية أخرى فإن الاعتماد على إنتاج مركبات تسير بالطاقة الكهربائية عن طريق استخدام بعض الموارد المعدنية مثل الليثيوم ما يزال محدودا حيث يتركز في عدد قليل من الدول مثل بوليفيا، وهى الدولة التي تنتج حوالي 50% من المعروض العالمي من هذا المعدن.

أيضا لا يخلو استخدام الطاقة الشمسية من هذه المخاطر؛ فإنتاج الخلايا الشمسية التي يتم عن طريقها استغلال الطاقة الشمسية يحتاج إلى معدن الجاليوم Gallium، وهو غير متوفر في الأراضي الأمريكي، حيث تستورد الولايات المتحدة 99% من احتياجاتها من هذا المعدن من الخارج، وليست هناك إحصاءات دقيقة حول الاحتياطات المتاحة من هذا العنصر، وإن كانت الحقيقة المؤكدة أن الصين توفر حوالي 40% من استهلاك الولايات المتحدة من الجاليوم.

إن نجاح الولايات المتحدة في تحقيق أهدافها قد يكون مرتبطا بمدى قدرتها على جعل العناصر المرتبطة بأمن الموارد الطبيعية جزءا مهما في إستراتيجيتها للأمن القومي، ومن أجل تحقيق ذلك يجب أن تكتسب المفاوضات المتعلقة بالتغييرات المناخية أهمية مركزية في العلاقة بين الولايات المتحدة والصين الصاعدة.

الأمن الطبيعي

سوف يعتمد أمن الدول في القرن الـ 21 بصورة متزايدة على ما يمكن تسميته “الأمن الطبيعي” Natural security، وهو ما يعني تأمين الحصول على الموارد الطبيعية عن طريق ضمان الوصول إلى مصادر الطاقة والثروة المعدنية والمياه والأراضي القابلة للزراعة، وذلك من أجل الوفاء باحتياجات سكان العالم الذين يتزايدون باستمرار.

ويتطلب ذلك من الولايات المتحدة أمرين أساسيين، أولهما: معرفة التحديات التي تواجه الموارد الطبيعية، والثاني: كيفية الاستجابة الفاعلة لمثل هذه التحديات في ظل التغيرات الإستراتيجية التي تشهدها البيئة العالمية.

ومن جهة أخرى فإن الاستهلاك المتزايد لهذه الموارد الطبيعية من شأنه أن يؤدي إلى العديد من التداعيات السلبية، من قبيل ظاهرة التغيير المناخي وتدمير التنوع البيولوجي لكوكب الأرض، والتي تمثل تحديا كبيرا لأمن أمريكا وغيرها من دول العالم.

جدير بالذكر أن الهواجس المرتبطة بالأمن الطبيعي ليست بالأمر الجديد. فعلى سبيل المثال أدرك كثير من الباحثين والمنظرين في مجالات الأمن القومي في الفترة بين تولي جورج كانون وزارة الدفاع الأمريكية في عام 1970 وتولي وزير الدفاع الحالي روبرت جيتس، أن هناك الكثير من الانعكاسات الأمنية للتحديات المتعلقة بالموارد الطبيعية. وجاءت نهاية الحرب الباردة لتثير نقاشا أكثر جدية حول مدى اعتبار الموضوعات البيئية أحد عناصر الأمن القومي. وفي هذا السياق استطاع عدد من صناع القرار، مثل نائب الرئيس الأسبق آل جور ووزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر وعدد من الباحثين مثل جيسكا تي ماثيو وجيوفري ديلباكو وبيتر جيلك وروبرت كابلان، بلورة هذا النقاش وجعله أحد الموضوعات الفرعية لمجال الأمن القومي.

ومع ذلك فإن التهديدات الإستراتيجية التي تحيط بالموارد الطبيعية في الوقت الحالي تأتي في سياق مختلف؛ فالبيئة الإستراتيجية الدولية قد شهدت تغيرات جوهرية، فهناك دول صاعدة مثل الصين وروسيا تلعب دورا مهما في عملية إعادة تغيير موازين القوة والثروة في النظام الدولي. علاوة على أنه بحلول عام 2025 سيكون هناك ارتفاع غير مسبوق في النمو الاقتصادي، متزامنا مع زيادة سكانية مقدارها 1.5 مليار دولار، وذلك طبقا لتقديرات المجلس القومي للاستخبارات.

هذه الزيادة الكبيرة في عدد السكان –وما يصاحبها من طلب متزايد على الموارد الطبيعية– من شأنها أن تمثل ضغطا كبيرا على الموارد الطبيعية، خاصة موارد الطاقة والغذاء والمياه، ومن ثم فان شبح الندرة يخيم على هذه الموارد نظرا لزيادة معدلات الطلب عن مستوى المعروض منها في السوق العالمية.

وفي مثل هذه البيئة الإستراتيجية الجديدة، فإن الطريقة التي تعرف بها الدول أمنها القومي والكيفية التي تحقق بها هذا الأمن تتغير أيضا بالتبعية. وهناك عدد من الهواجس والجدل الدائر بين المشتغلين في المجالين الأمني والبيئي حول مدى صحة إضفاء الطابع الأمني على تحديات الموارد الطبيعية، فضلا عن النقاش الكبير حول مدى ملائمة إضفاء الطابع العسكري على مثل هذه الموضوعات؛ فالتغير المناحي على سبيل المثال لا يمكن اعتباره تهديدا أمنيا ماديا يمكن لأفراد القوات المسلحة أن يهاجموه وينتصروا عليه، ولكن مثل هذه الظاهرة سوف تؤثر على أمن ورفاهية كل المواطنين، من خلال التأثير على الاستقرار العالمي وعلى البيئات المحلية الأمريكية.

وبالتالي إذا كانت هذه التهديدات الأمنية الجديدة ليست ذات طبيعة عسكرية، فان ذلك يعني أن الوسائل العسكرية ليست هي الطريقة الوحيدة لمواجهتها، وهو ما لفت إليه وزير الدفاع روبرت جيتس وأكد عليه مرارا؛ ففي خطاب له في مايو 2009 قال جيتس: “إن التحديات التي تواجه أمتنا لا يمكن أن يتم التعامل معها بالوسائل العسكرية فقط.. إنها تحتاج إلى تعامل حكومي شامل”.

وفي نفس الوقت أعلن الأدميرال دينيس بلير، مدير المخابرات القومية، في شهادته الأخيرة أمام الكونجرس أن “أعظم المخاطر التي تهدد الولايات المتحدة في عالم اليوم هي الأزمة المالية العالمية”. وبطبيعة الحال فإن هذه الأزمة تمثل تهديدا أمنيا إلا أنها ليست تهديدا عسكريا. وقد أشار بلير في شهادته إلى أن التعريف التقليدي لمفهوم “الأمن القومي” يعد تعريفا ضيقا لا يشمل التهديدات الحقيقية التي تواجه الأمة الأمريكية.

إن الأمن الطبيعي قد يتطلب استجابات وتحركات عسكرية في بعض الأحيان، إلا أنه ليس ذو طبيعة عسكرية في حد ذاته. وهناك العديد من الطرق التي يمكن للموارد الطبيعية أن تشكل بها البيئة الإستراتيجية لسلوك الولايات المتحدة، وتؤثر على السياسة الخارجية والاقتصادية والأهداف العسكرية للولايات المتحدة، وذلك من عدة زوايا:-

أولا: أن الدول التي تستهلك كميات كبيرة من الموارد الطبيعية سوف تسعى إلى السيطرة على المعروض من هذه الموارد، مما سيرتب الكثير من التداعيات الأمنية والاقتصادية، وفي هذا الإطار تعتمد الولايات المتحدة بشكل كبير على استيراد الكثير من السلع الإستراتيجية خاصة البترول وغيرها من الثروات المعدنية من أجل الاستخدامات العسكرية والاقتصادية.

ورغم أن هذا الاعتماد الكبير لا يمثل بالضرورة تهديدا في حد ذاته، فإنه قد يصبح عائقا إستراتيجيا وتهديدا كبيرا في حالة تركز مثل هذه الموارد لدى دولة واحدة أو مجموعة من الدول في الوقت الذي يزداد فيه الطلب من جانب عدد كبير من الدول. وعلى سبيل المثال أدى الحظر البترولي الذي فرضته الدول العربية في عام 1973 إلى ضرورة التأثير الذي تحدثه العوامل الجيوستراتيجية والسياسية في الدول المصدرة على تأمين تدفق الموارد الطبيعية.

ولمواجهة هذا الأمر، قد تعمد الدول الغنية بالموارد الطبيعية إلى الاعتماد على ثروتها الذاتية كوسيلة لتحقيق القوة الاقتصادية والسياسية، فروسيا على سبيل المثال استخدمت مخزونها الكبير من الغاز للتأثير على أوكرانيا وتركمانستان وإيران وتركيا وكل دول أوروبا الغربية والشرقية، كما ربط رؤساء كل من فنزويلا وإيران بين ثرواتهم من مصادر الطاقة وسلوكهم المناوئ لأهداف السياسة الخارجية الأمريكية.

ثانيا: أن أحد العوامل المعقدة للاعتماد على استيراد الموارد الخام هو نقص المعلومات عن المعروض العالمي من هذه الموارد، فنقص المعلومات الدقيقة حول الاحتياطات المتوفرة من خام البترول والغاز الطبيعي يؤثر كثيرا على أسعارهما في السوق العالمي. وربما يكون هذا الغموض هو سبب الارتفاع الكبير الذي شهدته أسعار النفط في عامي 2007 و2008.

أما بالنسبة للثروة المعدنية فهناك أيضا غموض حول مستويات المعروض منها، فليست هناك رؤية واضحة بالنسبة للولايات المتحدة وغيرها من الدول حول المخاطر التي يمكن أن تؤثر على مستويات العرض في الأسواق العالمية، ومن ثم فإن التخطيط في مثل هذه الرؤية الضبابية لمستويات العرض قد يمثل تحديا إستراتيجيا للولايات المتحدة، مع ملاحظة أن حجم المعروض من هذه الخامات عرضة للتأثر بأي أحداث قد تؤثر على للبنية التحتية الخاصة بنقل وتوزيع مصادر الطاقة، مثل أنابيب نقل البترول وناقلات البترول.

ثالثا: من شأن تركز المصادر الطبيعية في الدول المصدرة أن يؤدي إلى حدوث مشكلات لدى هذه الدول ويقود إلى عدم استقرار قد يظهر في أشكال عدة مثل الصراع على الأرض الذي تشهده منطقة دارفور. ويكمن السبب الرئيس لعدم الاستقرار هذا فيما يمكن تسميته بـ “لعنة الموارد” “Resource Curse” أو “معضلة الوفرة” “Paradox of Plenty”؛ فالموارد الطبيعية مثل البترول والخامات المعدنية تجلب للدولة موارد مالية كبيرة تذهب عادة إلى خزينة الدولة، وتوفر هذه الثروات المالية الكبيرة بيئة ملائمة لانتشار الفساد وتقويض مبادئ المحاسبة والمسئولية، ما قد يؤدي إلى اندلاع اضطرابات داخل الدولة، وإعاقة النمو الاقتصادي على المدى الطويل.

كما أن هذه الموارد الطبيعية من الممكن أن تكون سببا أساسيا في حدوث عمليات التمرد المسلح داخل الدولة، وحتى في الوقت الذي تكون فيه أسعار هذه الموارد منخفضة، فإنها أيضا تكون عامل عدم استقرار، ومثال ذلك الاضطرابات التي شهدتها زامبيا في مطلع عام 2009، وهى الاضطرابات التي نتجت عن الانخفاض الشديد الذي شهدته أسعار خام النحاس المتوفر بكثرة في هذا البلد.

وإضافة لهذه العوامل المؤثرة على جانب الطلب، هناك عوامل مرتبطة بمعدلات الاستهلاك المرتفعة، فالعديد من الدول تتنافس من أجل الحصول على هذه الموارد الإستراتيجية. ويتوقف نجاح كل دولة على قدرتها على التوصل لحلول مرضية بشأن قضايا التغير المناخي والتنوع البيولوجي. كما يحمل هذا التنافس في طياته إمكانية حدوث اضطرابات أو موجات هجرة، وحتى اندلاع صراعات دولية، بالإضافة إلى احتمال حدوث كوارث طبيعية وإنسانية كبرى، مثل إعصار نارجيس المدمر الذي ضرب دولة بورما في العام الماضي، وأزمة الغذاء التي أطاحت بالحكومة في هايتي.

ولأن معدل حدوث الكوارث يتزايد، فإن جهود الولايات المتحدة المدنية والعسكرية لمواجهة هذه الكوارث وتقديم المساعدات الإنسانية تتزايد أيضا بالتبعية، ولكن هذه الكوارث سوف تختلف في مداها وأماكن وقوعها، ولن يكون في مقدور الولايات المتحدة وغيرها من الدول المتقدمة تقديم الدعم اللازم والمساعدات الإنسانية في كل الحالات. ومن ثم فإن النتيجة المتوقعة هي حدوث اضطرابات اجتماعية وعدم استقرار داخلي، ما سيؤثر سلبا على جانب العرض للموارد الطبيعية.

وعند تناول قضية الأمن الطبيعي، فإن هناك مجموعتين من الاعتبارات، أولا: مجموعة الاعتبارات المرتبطة بالاستهلاك، وثانيا: النتائج المترتبة على هذا الاستهلاك.

وبالنسبة للمجموعة الأولى من الاعتبارات، فإن استهلاك الموارد الطبيعية خاصة موارد الطاقة والموارد المعدنية والمياه والأرض، سوف يؤثر على استقرار الدول، كما أن معدلات الاستهلاك المرتفعة لهذه الموارد من الممكن أن تخلق ضغوط جيوستراتيجية وحالة من عدم الاستقرار، علاوة على حدوث الكثير من الكوارث.

مجموعة الاعتبارات المرتبطة بالاستهلاك

أولا: الطاقة

تعتبر الطاقة من العناصر الهامة في كافة مناحي الحياة الإنسانية، فأكثر من 80% من سكان العالم يعتمدون على البترول والفحم والغاز الطبيعي كوقود لسياراتهم ومركباتهم، ولإنارة وتدفئة المنازل وأماكن العمل، علاوة على صناعة السيارات، والزراعة. إن هذا الاعتماد العالمي الكبير على مصادر الطاقة وتركز أماكن إنتاجها في عدد محدود من الدول، يعنيان مزيداً من الضغوط الجيوستراتيجية وعدم الاستقرار. ومن شأن هذا الاعتماد العالمي الكبير على مصادر الطاقة الهيدروكربونية أن يخلق الكثير من التحديات الأمنية للولايات المتحدة وغيرها من الأمم الأخرى، كما أن التحول نحو استخدام الطاقة النووية ينتج أيضا تحديات أمنية مختلفة للولايات المتحدة.

وعلى سبيل المثال تعتمد أكثر من 96% من وسائل النقل داخل الولايات المتحدة على البترول كوقود لها، في وقت يوجد فيه أكثر من ثلثي احتياطات النفط العالمية في منطقة الشرق الأوسط حيث عدم الاستقرار سمة رئيسية هناك، فضلا عن الكراهية ضد كل ما هو أمريكي، وهى أمور تهدد الأمن القومي والاقتصادي الأمريكي. يضاف لذلك حقيقة أخرى هي أن حوالي ثلاثة أرباع الاحتياطات النفطية المؤكدة يتم استخراجها بطريقة غير كفئة من خلال الشركات الوطنية في تلك الدول التي تمتلك هذه الاحتياطات.

وبالانتقال إلى كل من روسيا وإيران، وهما من أكبر منتجي الغاز الطبيعي في العالم، فهما عادة ما يخالفان الاتفاقات والأعراف الدولية ويستخدمان نفوذهما من أجل تهديد المصالح الأمريكية؛ ومن ثم فإن الارتفاع الكبير في أسعار النفط والغاز تتم ترجمته تلقائيا إلى مزيد من القوة والنفوذ لهذه الدول ومنحها ميزة جيوستراتيجية مضافة.

وبالنسبة للبدائل المتاحة للاستغناء عن النفط والغاز، فهي بدائل مكلفة للغاية من نواحٍ شتى، إذ على الرغم من امتلاك الولايات المتحدة وغيرها من الدول الأخرى لمخزون كبير من الفحم، إلا أنه بديل غير كفؤ نظرا لحجم الانبعاث الكثير من الغازات التي تفاقم من ظاهر الاحتباس الحراري وبالتبعية التغيير المناخي. أما الطاقة النووية فيعتمد استخدامها على استخراج بعض الموارد المعدنية من الأرض، خاصة اليورانيوم. وعلى الرغم من الوفرة النسبية لهذا العنصر، إلا أن وجوده متركز في عدد صغير من الدول.

ومن المنظور الأمني فإن للطاقة النووية العديد من التداعيات والمخاطر التي يجب أن تؤخذ في الحسبان، فهناك المشاكل المرتبطة بظاهرة انتشار الأسلحة والمواد النووية، إلى جانب انتشار المعرفة بالتقنية النووية وما تمثله المفاعلات النووية من أهداف حيوية يمكن الهجوم عليها.

ورغم الجهود المضنية التي تبذل من أجل تقليل الاعتماد على الوقود الحفري، فإن تقديرات الوكالة الدولية للطاقة تشير إلى أن العالم سيظل يعتمد بشكل أساسي على استهلاك النفط والغاز الطبيعي لتلبية 80% من احتياجاته من الطاقة حتى عام 2030 على الأقل، مما يعني أن الفاعلين الذين يمتلكون الجزء الأكبر من هذه الموارد سيكونون قادرين على تشكيل المشهد الجيوبوليتيكي في العالم خلال هذه الفترة.

وفي ظل تراجع قدرة الولايات المتحدة على تلبية احتياجاتها من هذه الموارد عن طريق عمليات التنقيب الداخلي أو من خلال المعروض القادم من المكسيك، فإن اعتماد واشنطن على المعروض من دول الشرق الأوسط والدول الأخرى سيتزايد أيضا. ومع أن ثمة مناطق جديد قد تشكل مركزا لقوى بترولية جديدة أهمها في القارة القطبية، والتي تشير المسوح الجيولوجية إلى وجود حوالي 90 مليار برميل بترول وحوالي 1.7 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي بها (ما يعادل 20%- 25% من الاحتياطات العالمية)، لكن غالبية هذه الاحتياطات موجودة في المناطق التي تخضع للنفوذ الروسي، وهذا يعني ببساطة تضاعف الاحتياطات الروسية من هذه الموارد الطبيعية؛ الأمر الذي يصب في نهاية الأمر في صالح زيادة القوة الروسية، وزيادة نفوذها كلاعب رئيسي في سوق الطاقة العالمي.

ثانيا: الموارد المعدنية

يعتمد الاقتصاد العالمي في الوقت الحالي على توليفة متنوعة من الموارد المعدنية التي تدخل في صناعة الكثير من المنتجات بداية من الطائرات حتى شاشات الكمبيوتر. وتشير الدراسات إلى أن معظم المنتجات الحديثة يدخل في تصنيعها ما يقرب من 39 نوعا من المعادن. وتاريخيا كانت الولايات المتحدة أكبر المستهلكين والمنتجين لهذا النوع من الموارد، لكن تستحوذ الصين اليوم على هذه المكانة، حيث باتت الأكبر في استهلاك وإنتاج هذا النوع من الموارد.

ومع أنه لا توجد إحصاءات دقيقة حول نسبة الاحتياطات من هذه الموارد مقارنة بحجم ومدى مساهمتها في الناتج القومي الأمريكي، إلا أن أكاديميات البحث العلمي القومية قدرت نسبة القيمة المضافة لهذا النوع من الموارد إلى الناتج القومي الأمريكي في عام 2006 بحوالي تريليوني دولار. وإلى جانب بعض الموارد المعدنية المألوفة لكثير من الأمريكيين مثل النحاس، هناك بعض الموارد المعدنية غير المألوفة والتي تعتبر مكونا هاما في الكثير من السلع التي يستهلكها الأمريكيون؛ فهناك أعداد كبيرة من الهواتف المحمولة يدخل في صناعتها عناصر معدنية غاية في الأهمية، مثل عناصر التانتاليوم Tantalum والإنديوم Indium. وبالنظر إلى مدى توافر هذه العناصر، يمكن القول إن النحاس متوافر نسبيا، بينما ما نسبته 80% من عنصر التانتاليوم يوجد في الكونغو، هذه الدولة التي تحتل مرتبة متقدمة للغاية في مؤشر الدول الفاشلة.

وقد قام عدد من أكاديميات البحث العلمي الأمريكية بعمل مسح لأهم العناصر المعدنية التي تعتبر حيوية وهامة للاقتصاد الأمريكي وتتعرض عملية استخرجها لكثير من المخاطر، فتوصلت إلى أنه من بين 11 عنصرا هناك 5 عناصر، منها الإنديوم والمنجنيز والنايوبيوم والبلاتينيوم، يحيط بها الكثير من المخاطر التي تهدد استمرار تدفقها؛ مما يعني أن الاقتصاد الأمريكي هو الآخر مهددا، لأن الولايات المتحدة تعتمد بصورة شبه كلية على استيراد هذه العناصر الحيوية من الخارج.

ومن الصعب تحديد حجم النقص في المواد الذي يمكن أن يؤثر على الاقتصاد الأمريكي، إلا أنه يمكن تخيل سيناريو مشابه لما قد يحدث في سوق النفط، فقدرة الولايات المتحدة على ممارسة ضغوط على دولة مثل السعودية باعتبارها من أكبر الفاعلين في سوق النفط محدودة للغاية. وبنفس المنطق هناك الكثير من القيود على حركة الولايات المتحدة في التعامل مع بعض الدول المنتجة للموارد المعدنية في المستقبل.

ويحتل بعض هذه الموارد المعدنية أهمية كبيرة بالنسبة لأنظمة الدفاع مثلما هي مهمة للاستخدامات المدنية، وقد أشار تقرير صادر عن وزارة الدفاع الأمريكية إلى وجود 13 عنصرا من الموارد المعدنية الإستراتيجية المهمة لأغراض الدفاع، واعتبر أنه ليس هناك قدر كاف من المعلومات حول عدة أمور هامة متعلقة بهذه العناصر، منها مدى توافر هذه الموارد الإستراتيجية، وماهية المخاطر التي تحيط بالمعروض العالمي منها. ولفت التقرير إلى أن نقص المعروض من هذه الموارد قد أدى بالفعل إلى التأخر في إنتاج العديد من نظم التسليح.

وفي الوقت الذي أصبحت فيه التكنولوجيا الحديثة مثل الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر متاحة للكثير من سكان العالم، فإن الطلب على هذه الموارد المعدنية الحيوية قد تزايد بصورة كبيرة، وثمة مزيد من الضغوط على المعروض العالمي من هذه الموارد، ومن ثم تشتد المنافسة بين الدول من أجل الحصول على أكبر قدر ممكن منها، وهو ما دفع تقرير وزارة الدفاع إلى لفت النظر إلى أن هناك الكثير من الهواجس حول التداعيات بعيدة المدى لمثل هذه المنافسة على الصناعات الأمريكية.

ولا تملك الولايات المتحدة في الوقت الحالي إستراتيجية واضحة للتعامل مع هذه الأوضاع المقلقة، في حين يبدو أن الصين لديها إستراتيجية تقوم على استغلال ميزتها التنافسية في إنتاج هذه الموارد المعدنية المهمة إذ تسيطر الصين على معظم المعروض العالمي من مجموعة العناصر الأرضية النادرة، وبالإضافة إلى ذلك تسعى الحكومة الصينية إلى إقامة علاقات قوية مع غيرها من الدول المنتجة لهذه المجموعة؛ فعلى سبيل المثال تمتلك الصين غالبية المخزون من هذه العناصر في دولة الكونغو، وفي عام 1995 كانت قيمة الواردات الصينية من إفريقيا تقدر بحوالي 1.4 مليار دولار، ولكن بعد أحد عشر عاما زادت هذه القيمة إلى 28.7 مليار دولار، بزيادة تقدر بحوالي 2000%. وفي العديد من الحالات كانت اتفاقيات التجارة التي تعقدها الصين مصحوبة إما بالتعهد بعدم التدخل السياسي أو بالمساعدات التنموية التي تقدمها لهذه الدول.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مركز أبحاث أمريكي مقرب من إدارة الرئيس أوباما، أنشئ عام 2007، ويضم عدداً من المستشارين والخبراء والمفكرين الذين ساندوا حملة أوباما الانتخابية. ويترأس وليام بيري وزير الدفاع الأمريكي الأسبق المجلس الاستشاري للمركز، ويشارك في عضويته عدد من الشخصيات الأمريكية المرموقة أبرزها: مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية السابقة، وريتشارد أرميتاج أحد قيادات البنتاجون في عهد كلينتون، وجون بوديستا رئيس الفريق الانتقالي للرئيس باراك أوباما.

*دراسة نشرت على موقع مركز الأمن الأمريكي الجديد تحت عنوان “الأمن الطبيعي”، يونيو 2009. وقد أعد الدراسة شارون بيرك Sharon Burke نائب رئيس المركز لشئون الأمن الطبيعي.

http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1260257760860&pagename=Zone-Arabic-News/NWALayout

 

أضف تعليق