تسليع المهرجانات والبؤس الذي يطاردنا

للاسف عرفت ان فيه فيلم اسمه “المهرجان” اتعمل وللاسف اللي بيمثل فيه فيفتي والسادات، المخرج حسام الجوهري والكاتب محمد عبد المعطي، قلبي اتقبض لأني تقريبا عارف ده معناه ايه، ومعناه ان موسيقى المهرجانات ها يتم تشويها وهاتفقد جزء كبير من جاذبيتها ورونقها، اللي شدني ليها من ساعت ما سمعتها من كام سنة، عملت بحث صغير عشان الاقي أي معلومات عن الفيلم، وللاسف لقيت لقاء مع المخرج والكاتب والممثلين/مطربي المهرجانات، شوفت اللقاء وشوفت كليب من الكليبات اللي في الفيلم ( كليب الشارع زحمة)، وللاسف مخاوفي كلها كانت في محلها على الاقل من وجهة نظري، معلش انا ما بحبش الكلام النظري الملكع، بس لازم ابتدي بشوية حاجات نظرية بسيطة حاولت أصيغها ببساطة يمكن يكون في شوية اختزال.

كلام المخرج والكاتب في اللقاء اللي انا شوفته بيستبطن فكرة السوق المعفنة اللي بتسعى إلى تسليع أي حاجة حوالينا، طالما رأى كهنة السوق وسدنته انها مصدر أكيد أو محتمل للربح، وعملية التسليع دي مش ممكن تقوم من غير فكرة التخصص وتقسيم العمل، السوق مش ممكن يقبل فكرة ان حد يعمل كل حاجة من اولها لاخرها، لان ده من وجهة نظره بيأثر على فكرة الانتاج الكبير، ولان الهدف من انتاج الشيء اللي تم تسليعه هو انتاجه بكميات كبيرة ومن ثم يزداد معدل الربح، وكمان السوق ما بيقبلش يسيب اي نشاط يعمل خارج الحدود اللي بيرسمها السوق والميكانزيمات بتاعته اللي بتسعى لقولبة وتأطير اي نشاط، والخروج عن الحدود دي مش مسموح بيه اذا لم يكن مردودها بيصب في اتجاه مزيد من الربح، وده الهدف الاساسي لكهنة السوق، وبيتم تبرير الأمر ده في أغلب الاحيان باعتبارات اخلاقية وبراجماتية، السوق كمان بيبص لاي حاجة بره حدوده نظرة استعلائية وانها حاجات بدائية مش ممكن تفضل موجودة خارج سيطرتهم، ولازم يتم دمجها في منظومة الانتاج داخل السوق لاعتبارات الربح والتسجيل وحسن سير المنظومة من وجهة نظر القائمين على إدارة هذا الشيء القميء المقيت اللي اسمه السوق، باختصار كل حاجة في السوق لازم تبقى صناعة، لها قواعد معروفة سلفا، ومعروف بداية سلسلة الانتاج ونهايتها، ومعروف دور كل واحد في السلسلة ومش مسموح لحد يعمل دور حد تاني، ومش مسموح لحد يعمل كل حاجة، الكلمة القميئة اللي هى بتلخص ايديولوجية السوق هي “الصناعة”.

إيه اللي حصل بقى مع المهرجانات؟

نشاط جديد اسمه المهرجانات انتشر وسمّع والناس بقت تغنيه وتستهلكه، وده بالظبط اللي قاله المخرج والكاتب، انهم شافوا ان الموسيقى دي انتشرت وناس كتيرة من كل الطبقات بقت بتسمعها، نشاط خارج السوق نشاط يعتبر مصدر محتمل لربح كبير، ومن ثم فمنظومة السوق ما ينفعش تسيب النشاط ده يشتغل براها.

جاذبية المهرجانات وفكرتها هي التمرد على رتابة وملل الموسيقى اللي احنا بنسمعها من زمان، حب وجرح وخيانة وعشق وسابوا بعض، المهرجانات عفوية متمردة على رتابة الموسيقى اللي بنسمعها من زمان، وموسيقاها مبهجة ومليانة طاقة تخليك غصب عنك ممكن تقوم ترقص معاها في اي مكان وفي اي وقت، انا باسمع مهرجانات طول الوقت وساعات بابقى ماشي في الشارع او راكب الاتوبيس والاقي نفسي بارقص وباحرك جسمي مع الموسيقى، الكلام ممكن نختلف حواليه، بس فكرة المهرجانات زي ما مطربين مهرجانات قالوا انهم بيعبروا عن اللي الناس البيسطة بتشوفه وبتعايشه في حياتهم، أهم سبب لحبي للمهرجان بالاضافة للاسباب دي انها ملتحمة بالشارع وبالناس البيسطة، المهرجانات طلعت من الشارع وبتتغني في الشارع، وتصل لذروة الاستمتاع بيها لما تلاقي المطربين بيغنوا على نفس المستوى المكاني في الشارع مع الناس اللي حواليهم وكله بيرقص، ما فيش مسرح عالي اوي وأضواء حديثة مبهرة بتخلق حاجز نفسي بين اللي بيغني واللي بيسمعوه، وده مش موجود في المهرجانات، اللي بيغني واللي بيسمع المهرجانات هما جزء من المنظومة العفوية المبهجة اللي مليانة طاقة دي اللي اسمها المهرجان، جه فيلم المهرجان وبيحاول يكسر كل الحاجات دي بإدعاءات التحديث والتطوير واخذ موسيقى المهرجانات لمستوى أعلى (المقولات المعفنة بتاعت نظريات الحداثة)، وده بالظبط اللي عملوا المخرج والكاتب بتوع الفيلم.

المخرج بتاع فيلم المهرجان حسام الجوهري بيبرر الزفت اللي عمله كليب – اللي هو في الفيلم بيسموه مهرجان – الشارع زحمة بانه عايز يدوا مطربين المهرجانات امكانيات ويدوهم فرصة، وان الناس دي لازم تاخد امكانيات، وانه عايز يعمل حاجة مختلفة عن الشكل التقليدي للمهرجانات، البيه بعت جاب مصمم ازياء اسمه جون صقر من لبنان عشان يعمل رقصات الكليب/المهرجان، وجابلهم استايلست اسمه سوشا، مطربين المهرجانات بالنسباله بيعملوا كل حاجة بيغنوا ويعملوا الموسيقى وبيلبسوا نفسهم، وده ما ينفعش لازم يجيلهم مخرج يشتغل عليهم بجد، لازم يحطهم على المسرح، المخرج كان هدفه من الفيلم – كما ذكر في اللقاء – عايز يخش التجربة الشعبية دي ويعرف ايه ده، بعد تجارب مختلفة ليه قبل كده، المخرج شايف ان الشكل اللي هو بيسمية التقليدي للمهرجانات كان ظلم لمطربي المهرجانات اللي هما عندهم موهبة كبيرة من وجهة نظره بس محتاجين تطوير وده اللي حاول يعمله من خلال الفيلم عامة ومن خلال كليب الشارع زحمة، المخرج مش مدرك انه بيعمل جريمة لانه باللي بيسمه تطوير واعطاء امكانية، اللي عمله المخرج ده ببساطة انه بيكسر ويهدم الفكرة الجوهرية اللي بتقوم عليها المهرجانات، هو بيحط المهرجان في منظومة، والمهرجان اصلا قايم على التمرد على الرتابة، المخرج جايب مصمم رقصات وده بيحط الطاقة العفوية اللي بيخلقها المهرجان جوه اللي بيسمعه داخل حدود افكار المصمم بتاع الرقصات، وبعد ما كان الكل بيشارك في رقصة جميلة مالهاش قواعد وملهاش حركات معينة، انما بتسيب جسمك يتحرك بالطريقة اللي هو بيحس بيها الموسيقى ويرقص زي ما هو عايز بقينا لازم نرقص زي ما المصمم عايز مش زي ما احنا عايزين، لما تجيب ستايلست وتحط مطرب المهرجان على مسرح فخيم واضواء معمولة بنظام حديث، انت بتحط المطرب في مكان أعلى من الجمهور ماديا ومعنويا، وده بيكسر فكرة الالتحام بين المطرب واللي بيسمعوه، وبعد ما مطرب المهرجان كان بيغني على نفس المستوى المكاني للي بيسمعوه في الشارع او على مسرح بسيط عاملة واحد بتاع فراشة في الحارة بقى اللي بيسمعوا شايفينه اعلى منهم، وممكن برضوه يفضلوا يسمعوا بس فكرة الالتحام معاه واحساسهم انه منهم وبيعبر عنهم مش بس بالغنا لا وبالمكان كمان بتموت وانت بتقتلها يا مخرج.

الخلاصة انك بتسلع المهرجان وبتحطو في حدودك اللي السوق بيمليها عليك، انت بمنطق السوق بتاعك – اللي انت ممكن تكون مش مدركه انما مستبطنه من غير وعي – بتبص للمهرجان نظرة دونية وشايف اه انه يحمل جواه امكانيات النجاح والربح، بس محتاج التاتش بتاع منظومة السوق اللي هايخله حاجة حديثة ومتماشية مع العصر، بس يا عم حسام وشوف يا عم محمد المهرجان حلو في حد ذاته، ولو سمحت بلاش التاتش المعفن بتاع السوق اللي انت عايزه تفرضه بمنطق التطوير والتحديث وازاحة تراب الشارع عن موهبة مطربي المهرجانات العظيمة، حلاوة المهرجان جاية من انه مترّب بتراب الشارع.

أضف تعليق